التخصيص هو الحل يا حكومة

ان واقع الفكر الاقتصادي في العالم قد مر بحقبات متتالية، وكانت المواقف الغالبة في معظم تلك الاقتصاديات في بداياتها تجاه دور الدولة في السيطرة والهيمنة على ادارة الاقتصاد والخدمات الشاملة ثم تغير ذلك الى ابعاد الدولة وتمكين القطاع الخاص من تملك وادارة تلك المؤسسات الاقتصادية والخدمية.
وكان لابد من تفهم الأسباب الموضوعية التي بررت في تبدل هذه الاراء والنظر في مدى مطابقتها لأحوال وظروف كل مرحلة. ومن خلال القرن العشرين أدت أزمة الثلاثينيات الى تعظم دور الدولة في تملك وادارة الاقتصاد والخدمات الشاملة. وأدت تلك السياسات المستوحاة من النظريات «الكنزية» في البلدان الغنية مدعمة بنظريات التنمية الوطنية المستقلة الى زيادة حصة الدولة من الاقتصاد بشكل مطرد وكما ادت ايضا الى تحقيق طول فترة نمو بين الاربعينيات والسبعينيات. الا ان الارتداد نحو فكرة تقليص دور الدولة وتعاظم دور القطاع الخاص كان مرتبطا بازمة السبعينيات وبانخفاض السياسات «الكنزية» في مواجهة تلازم مشكلتي البطالة والتضخم  وانتشارهما خلال الثمانينيات وبدأت بريطانيا والولايات المتحدة ثم تلتهما مختلف البلدان المتقدمة بالاعتماد على القطاع الخاص في ادارة وتملك معظم الخدمات.
هذه مقدمة تشرح الواقع التاريخي غير الثابت لعملية دور الدولة في الاقتصاد، حيث إن دورها يكبر أو يصغر حسب السياق التاريخي لكل مرحلة  وحاجة المرحلة للدولة في تسيير وتملك كل المؤسسات الاقتصادية والخدمية من عدمه. ان تجربة الدول المتقدمة وما وصلت اليه في انجازاتها واعطاء القطاع الخاص الدور القيادي في التملك والادارة اعطاها تقدما على الدول الأخرى في العالم الثالث والتي مازالت تتبع نظام هيمنة الدولة على تملك وادارة اقتصادياتها وخدماتها ما خلق  تضخم المشاكل الاقتصادية والخدمية بسبب الضعف الاداري لتلك الدول، والتعامل مع  المشاكل بسلبية ما ادى الى اختلالات اقتصادية سافرة وخدمات متدنية صاحبها هدر كبير للأموال العامة بدون أي عوائد اقتصادية أو خدمية أو اجتماعية وذلك في كل المسارات المتعلقة بالدولة.
لذلك فكل مرحلة من مراحل التاريخ تمر الدول بمتغيرات حسب ضعفها وواقعها والحاجة الى النظام الاقتصادي المطلوب لكل مرحلة، فماذا عندنا نحن في الكويت؟
ان التاريخ الاقتصادي للكويت مر بمراحل مختلفة حسب الحاجة وظروف الواقع، فكان القطاع الخاص قبل مرحلة النفط هو المحرك والداعم للدولة في اقتصادها، والدولة دورها ثانوي في تلك المرحلة وختص في الأمور السيادية، الا انه وبعد تدفق النفط حصل تغيير كبير في دور القطاع الخاص حيث تقلص في حين تعاظم دور الدولة في الاقتصاد وكان هذا الدور في ادارة الاقتصاد والتنمية في البدايات مهما وضروريا أسهم في نقل الدولة الى المدنية الحديثة وكان له دور في وضع كثير من الأسس التعليمية والصحية والعمرانية حتى صارت الكويت في تلك المرحلة درة الخليج العربي، وعم الخير على المواطنين من توزيع الثروة حتى صارت الطبقة المتوسطة في الكويت من اكبر الطبقات في العالم. وهذه مرحلة كانت جيدة ومهمة للدولة في تملك وادارة الاقتصاد والخدمات. ولكن لم تفهم الدولة المتغيرات التاريخية والتحولات الاجتماعية وبدأت الدولة تعاني من زيادة عدد السكان والتجنيس العشوائي وقضية البدون وعدم قدرة جهازها الاداري على التعامل مع تلك المتغيرات وضعف مخرجات التعليم والذي هو عصب تقدم الدول. هذا الارباك للدولة في تملك وادارة كل المؤسسات الاقتصادية والخدمية. ووضع خطط تنموية غير قابلة للتطبيق. والسيطرة على عامل البطالة السافرة والمقنعة دفع الدولة الى الصرف للتغطية على المشاكل الاقتصادية ما وضعها في طريق صعب غير قابل للاستمرار في المستقبل بسبب الاصرار على الادارة والتملك.
ان المتغيرات التاريخية للاقتصاديات يجب أن يحسب حسابها والانحناء لها لوضعها في اطارها الصحيح حسب المرحلة الجديدة المقبلة وحسب ما مرت به دول العالم المتقدمة. لذلك كما شرحنا ان كان للقطاع الخاص دور قبل النفط والدولة بعد النفط والان ليس لنا حل غير العودة الى القطاع الخاص عن طريق التخصيص العلمي المجرب في كثير من دول العالم الناجحة. ان التخصيص صار هو الحل الوحيد والمطلوب للمرحلة المقبلة حتى نسير في الطريق الصحيح لخدمة مستقبل  هذا البلد الطيب. والله المستعان….

Previous Post
قضية مهمة
Next Post
هل المجلسان مقتنعان بالديموقراطية؟
15 49.0138 8.38624 1 1 4000 1 https://wijhatnathar.com/blog 300