التربية والتعليم إلى أين؟

لاشك أن التعليم هو مفتاح التغيير وأساس التقدم للأمم والشعوب، فهو جوهر عملية التنمية ومحورها وقاعدة ارتكازها، فالتربية والتعليم كما يصفها خبراء التنمية، حجر الزاوية والاساس المتين لاحداث التغييرات الشاملة في كل مجالات الحياة كونها أساس التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية لذلك فالدول الحقيقية تولي مؤسسات التعليم في مخططاتها اهتماما عظيما وترعاها رعاية كاملة فتسخر لذلك الامكانيات الاقتصادية والادبية والنفسية والاجتماعية نظرا لما تمثله هذه المؤسسة من اهمية كبرى في بناء المجتمع هذا من ناحية ومن ناحية اخرى تكمن اهمية التربية والتعليم في اعداد الجيل إعدادا سويا وسليما في جميع الجوانب الحياتية، فهي مثلا تبذر فيه القيم الانسانية النبيلة مثل احترام حقوق الانسان وثقافة الحرية والعدالة والمساواة والمحبة والاخاء وتجسد لديه معاني الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، كما تشجعه على ممارسة القيم المدنية الحديثة الممزوجة بالثقافة الديمقراطية وحرية الاختيار في الانتخابات وتعزز لديه ثقافة الحوار في تعامله مع الاخرين والتسامح وتوجهه نحو نبذ العنف والتطرف وتنحو به بعيدا عن التعصب العرقي والديني والثقافي والمذهبي والقبلي اضافة الى تدريبه على ثقافة القبول بالاخر واحترام حقوقه وثقافته وعاداته وتقاليده.
ان اهمال التربية والتعليم معناه الفشل التام والناتج المدمر والكارثة المدمرة لاركان الدولة وبنية المجتمع برمته، لذلك فماذا نرى في تقييم التربية والتعليم في الكويت؟
ان التربية والتعليم سارت بخطى حثيثة بعد الاستقلال حتى الثمانينات ثم تدهورت خلال الثلاثين سنة الماضية بسبب التخبط والهدر في الجهود والمال بسبب التدخل المباشر للسياسة والسياسيين في الشؤون التعليمية والتربوية والذي كان له اثاره السلبية على قضايا التربية والتعليم، والدولة والتوتر شبه الدائم في العلاقة بين وزارة التربية ومجلس الامة بسبب تدخل النواب كل في اتجاه وحزبه بالمطالب والانتقادات في امور التربية والتعليم من مناهج وتعيين المدرسين بطرق غير قانونية او فنية او الكفاءة في اختيارهم عن طريق الضغط على المسؤولين في التربية دون توقف، حتى صارت تعوق عمل وزير التربية والعاملين في التربية وتكبل ايديهم في عملهم التعليمي والتربوي كذلك تتم معظم عمليات التطوير التربوي في الكويت وفق التوجهات الخاصة بوزير التربية ومعاونيه وانتماءاتهم الحزبية على شكل وافكار متغيرة بحسب تغير الوزراء، كما ان معظم المحاولات في اصلاح التعليم في الدولة لا تعبر عن رؤية الدولة بقدر ما تعبر عن رؤية التغيرات في القيادات التربوية ورؤيتهم الشخصية، والمسؤولون في الشأن التربوي لا يحبذون التجديد ولا يرتاحون الى الاساتذة الجامعيين المجتهدين وسماع ارائهم في تطوير التعليم لذلك انحدر التعليم وصار الطلبة يعتمدون على الدروس الخصوصية ويشترون الابحاث الدراسية الجاهزة دون بذل اي جهد عقلي ويساعد على ذلك دور الاسرة السلبي فهي منغمسة في الحياة الاستهلاكية السهلة ولا تغرس القيم الايجابية في نفوس ابنائهما.
لهذا فالمدارس تخصص وقتا اطول لدراسة المواد غير العلمية مثل التاريخ والجغرافيا واللغة العربية والتربية الاسلامية على حساب المواد العلمية والفكرية والثقافية بل التركيز على التلقين اللغوي التراثي المنتمي الى العالم الماضي على حساب التكوين العلمي التكنولوجي المنتمي الى العالم المعاصر ما يهدر الجهد والمال والوقت وهو ما يؤدي الى التخلف عن ركب التقدم العلمي والحضارة العالمية ولا يضع الدولة في مصاف الدول الحضارية المتقدمة.
لذلك ينبغي النظر الى التربية والتعليم على انها قضية سياسية مهمة في نقل البلد نحو التطور، كما ينظر اليها ايضا كقضية اقتصادية لان الانفاق على التعليم هو استثمار في البشر ومخرجات التعليم المواكبة لاحتياجات البلد.
لذلك ومن كل ما تقدم نرى انه يجب ان يكون هناك تقييم للتربية والتعليم في الكويت عن طريق انشاء لجنة وطنية ومتخصصة لبحث اصلاح وتخصيص التعليم ووضعه في الطريق الصحيح لصالح هذا البلد الطيب.
والله المستعان.

Previous Post
ليس بالمال تتحقق التنمية
Next Post
الخدمة المدنية وميزانية الدولة إلى أين؟
15 49.0138 8.38624 1 1 4000 1 https://wijhatnathar.com/blog 300