العامل الاقتصادي وأثره على سياسة الدولة

لم تكن روح الديمقراطية في الكويت حديثة النشأة أو وليدة العقود القليلة الماضية بل كانت متأصلة فيها منذ نشأة هذه الامارة الصغيرة فقد بدأت منذ عام »1752« عندما وافق المجتمع في تلك الفترة على تنصيب آل الصباح حكاما على الكويت عن طريق ما عرف بالاجماع والشورى وحكم العائلة الحاكمة اتى عن طريق ديمقراطي اشبه بما يعرف بالانتخابات.
وكان هذا البناء الأول لتأهيل الديمقراطية في المجتمع الكويتي وعرف من تولوا سيادة الحكم فيها على مر الزمان وتعاقبوا على الالتزام بأسلوب الحوار والتفاهم والشورى كمنهج لاستقرار الحكم وصلاحياته.
وللكويت تاريخ عريق وقديم في المشاركة السياسية فالكويت كانت اول شعب خليجي في قيام مجلس شورى عام »1921« ويعد اول حدث سياسي منظم يسهم في تحديد السلطة في الدولة وطريقة ادارتها واول مشاركة مباشرة من الشعب في ادارة شؤون بلاده وشكل مجلس الشورى المعين من »12« عضوا وتم اختيار حمد الصقر رئيسا له ولم يستمر طويلا.
وبعد التجربة الاولى قامت اول تجربة انتخابية عن طريق انشاء المجلس البلدي عام »1930« وكان الشيخ يوسف بن عيسى القناعي من المتحمسين لتلك الفكرة وموافقة الحاكم على تلك الفكرة الشيخ احمد الجابر الصباح وكانت نشأة بلدية الكويت في عام »1930« وهي الفرصة الاولى للكويتيين في تاريخهم لممارسة تجربة الانتخابات حيث اختار الكويتيون مجلسا للبلدي عن طريق الانتخاب ومثلت هذه التجربة منعطفا كبيرا في سبيل تطور المجتمع الكويتي في الوقت الذي كان الكويتيون يسعون جاهدين لوضع أسس ومعايير لتنمية وخدمة مجتمعهم وفي عام »1931«، صدر قانون البلدية ويتألف من »12« عضوا بالاضافة الى الرئيس وفي عام »1936« وافق حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح على انشاء مجلس معارف مهمته الاشراف على تأسيس المدارس والانفاق عليها وتوجيهها ومن اجل ذلك تمت دعوة »50« ناخبا من وجهاء الكويت لانتخاب »12« عضو لمجلس المعارف يقوم فيها الناخب باختيار »12« مرشحا هذا وقد اختير الشيخ عبدالله الجابر الصباح رئيسا له.
وفي عام »1938« رأى الكويتيون ضرورة ادخال تعديل جوهري على نظام الحكم ليصبح حكما نيابيا ديمقراطيا وتعد هذه المرحلة من اهم المراحل في تطور النظام الدستوري في الكويت وتاريخه السياسي عن طريق قيام المجلس التشريعي الاول في »1938/7/2« والذي جرى انتخاب »14« عضوا من بين »200« مرشح تقريبا وتم اختيار الشيخ عبدالله السالم الصباح رئيسا للمجلس.
وتم وضع اول مسودة دستور ولم يتفق عليه وحل المجلس في »1939/3/7«.
وفي عام »1961« اعلن حاكم الكويت حينذاك الشيخ عبدالله السالم الصباح بعد اشهر من الاستقلال انه سيتبنى النظام البرلماني ودعا الى انتخابات عامة لانتخاب »20« عضوا للمجلس التأسيسي تكون مهمته وضع دستور للبلاد وصدر القانون رقم »1« في عام »1962« متضمنا النظام الاساسي للحكم في فترة الانتقال وكان بمثابة دستور مؤقت يطبق خلال الفترة التي سبقت اصدار الدستور الدائم واناط ذلك القانون المجلس التأسيسي مهمة وضع مشروع دستور للبلاد بعد موافقة الامير عليه وفعلا انهت اللجنة اعمالها واحالت مشروع الدستور بكامله الى المجلس التأسيسي لمناقشته واقراره وتم اقراره وتم تقديم الدستور للشيخ عبدالله السالم الصباح في »1962/11/8« وتم المصادقة عليه ونشر في الجريدة الرسمية في نفس التاريخ السابق وعمل هذا الدستور على تحقيق التوازن بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي بالاسلوب المزدوج واستمر العمل حتى حدوث الاحتلال العراقي الغاشم وتم خلال تلك الفترة وقوف الشعب الكويتي خلف قيادته الشرعية وكان ذلك اشبه بالتصويت الجماعي من الكويتيين لاستمرار حكم اسرة آل الصباح وهذا تأكيد واضح للشرعية.
هذه مقدمة وسرد تاريخي للتجربة الديمقراطية في الكويت والتي سبقت كثير من الدول المجاورة وكان لها اثر كثير في تلاحم الشعب الكويتي مع أسرة الحكم وكانت الامور تسير بطريقة طبيعية الى ان تعقدت الحياة في المجتمع الكويتي من حيث زيادة عدد السكان وتضخم عدد الوافدين وزادت متطلبات الحياة للناس حيث ان الدولة تتكفل بمعظم احتياجات المواطن الكويتي من دون حدود وكانت الدولة تدير القطاع العام وهي تسيطر وتملك معظم المؤسسات والخدمات العامة في الدولة وكان هذا مقدور عليه في السابق ولكن في الظروف الحالية وتعقيداتها عانت الدولة من هذا الوضع حيث ان موضوع التنمية الاقتصادية وعدم تحقيق اهدافها بسبب التدخل النيابي في عملها بسبب ضعف ادارة القطاع العام لمشروع التنمية وتلبية الخدمات وتعاظم البيرقراطية مما جعل الجهة الرقابية في البرلمان تثير الحقائق عن ضعف الدولة في ادارة معظم المشاريع والخدمات وانعكاسها على تذمر الناس من ذلك. فما هو الحل؟
ان الدولة لا تمر بمشكلة سياسية والنظام الذي تحدثنا عنه في ارساء الديمقراطية في الكويت قد ثبت وعزز الجانب السياسي واستقراره ولكن تمسك الدولة بالجانب الاقتصادي وادارته وعدم تخصيصه اثر على الجانب السياسي وسيستمر في ذلك حتى تتخلى الدولة عن ذلك للقطاع الخاص وتحمله مسؤولية ادارة التنمية مع الرقابة المباشرة من الدولة ومجلس الامة بدل رقابة مجلس الامة للدولة في هذا الجانب مما يضعف الجانب السياسي وهذا خيار ضروري للدولة للخروج من اشكالية الجمع بين الجانب السياسي والجانب الاقتصادي ومن يلاحظ ان القطاع الخاص يستفيد من كل مشاريع وخدمات الدولة من دون اي مسؤولية والدولة لوحدها تتحمل ذلك، لذلك حان للدولة لتحميل القطاع الخاص المسألة وتبقى الدولة في منآى من اللوم وتأثيره السياسي لتبقى الكويت مستقرة .
والله المستعان.

Previous Post
البيروقراطية في القطاعين العام والخاص
Next Post
الطبقة الوسطى والاستقرار الاقتصادي
15 49.0138 8.38624 1 1 4000 1 https://wijhatnathar.com/blog 300