لماذا التخصيص هو الحل؟
إن واقع الفكر الاقتصادي قد مر بحقبات متتالية، وكانت المواقف الغالبة تجاه موضوع دور الدولة في الاقتصاد تتقلب تباعا، ولابد من تفهم الأسباب الموضوعية التي بررت تبدل هذه الاراء والنظر في مدى مطابقتها لأحوال بلادنا وحاجتها، بدل الانجرار مع هذه أو تلك منها، لمجرد أنها أحدث أو أكثر رواجا في لحظة معينة، خلال القرن العشرين وأدت أزمة الثلاثينات إلى تعظم دور الدولة في الاقتصاد وأدت السياسات المستوحاة من النظريات «الكنزية» في البلدان الغنية مدعمة بنظريات التنمية الوطنية المستقلة في البلدان الفقيرة الى زيادة حصة الدولة من الاقتصاد بشكل مطرد، وانما ادت ايضا الى تحقيق طول فترة نمو بين الاربعينيات والسبعينيات وكان الارتداد نحو فكرة تقليص دور الدولة مرتبطا بازمة السبعينات وبانخفاض السياسات «الكنزية» في مواجهة تلازم مشكلتي البطالة والتضخم وازدادت انتشارا خلال الثمانينات بدءا من بريطانيا والولايات المتحدة حتى باتت غالبة في مختلف البلدان خلال التسعينيات، هذه مقدمة تشرح الواقع التاريخي غير الثابت لعملية دور الدولة في الاقتصاد، حيث إن دورها يكبر أو يصغر حسب السياق التاريخي للمراحل الاقتصادية، وحاجة المرحلة للدولة في تسيير دفة الاقتصاد ولكن مع تضخم المشاكل الاقتصادية والضعف الاداري للدولة، فستواجه الدولة تلك المشاكل بسلبية، ما يؤدي الى اختلالات اقتصادية سافرة يصاحبها هدر كبير للأموال العامة من دون أي عوائد اقتصادية أو اجتماعية وحتى في كل المسارات المتعلقة بالدولة، لذلك فكل مرحلة من التاريخ تمر الدول بمتغيرات حسب ضعفها وواقعها والحاجة الى النظام الاقتصادي المطلوب لكل مرحلة، فماذا عندنا نحن في الكويت؟ ان التاريخ الاقتصادي للكويت قد مر بعوامل عدة حسب الحاجة وظروف الواقع، فكان قبل مرحلة النفط القطاع الخاص هو المحرك والداعم للدولة في اقتصادها، والدولة دورها ثانوي في تلك المرحلة، وبعد خروج وتدفق النفط حصل تغيير كبير في تقلص دور القطاع الخاص وتعاظم دور الدولة في الاقتصاد وكان دور الدولة في ادارة الاقتصاد والتنمية في البدايات مهما وضروريا في نقل الدولة الى الدولة المدنية الحديثة، وكان لها دور في وضع كثير من الأسس التعليمية والصحية والعمرانية حتى صارت الكويت في تلك المرحلة درة الخليج العربي، وعم الخير للناس من توزيع الثروة حتى صارت الطبقة المتوسطة في الكويت من اكبر الطبقات في دول العالم وهذه مرحلة كانت جيدة ومهمة للدولة لادارة الاقتصاد، ولكن لم تفهم الدولة المتغيرات التاريخية والتحولات الاجتماعية وتعقد الدولة من زيادة عدد السكان والتجنيس العشوائي وقضية البدون وعدم قدرة جهازها الاداري على التعامل مع تلك المتغيرات وضعف مخرجات التعليم والذي هو عصب تقدم الدول فهذا الارباك للدولة في قيادة الاقتصاد ووضع خطط تنموية قابلة للتطبيق والسيطرة على عامل البطالة الساخرة والمقنعة، ما دفع الدولة الى الصرف للتغطية على المشاكل الاقتصادية، ما وضعها في طريق صعب غير قابل للاستمرار في المستقبل بسبب الاصرار على ادارة وتملك الاقتصاد في معظمه، ان المتغيرات التاريخية للاقتصاديات يجب أن يحسب حسابها والانحناء اليها لوضعها في اطارها الصحيح حسب المرحلة الجديدة المقبلة، حسب ما مرت به دول العالم، لذلك كما شرحنا ان كان للقطاع الخاص دور قبل النفط والدولة بعد النفط والان ليس لنا حل غير العودة الى القطاع الخاص عن طريق التخصيص وهو الحل للمرحلة المقبلة لما فيه خير هذا البلد الطيب. والله المستعان….