التربية والتعليم والهرم المقلوب

من يتابع مسيرة التربية والتعليم في الكويت يستطيع وبكل سهولة أن يميز بين مرحلتين.. مرحلة الخمسينيات والستينيات. ومرحلة ما بعد ذلك، فهما مرحلتان مختلفتان في النهج والجدية من حيث ان المرحلة السابقة للتربية والتعليم كانت لها ميزات غير موجودة في المراحل الاخيرة للتربية والتعليم من حيث الانضباط والجدية في التربية والتعليم وتزكية الروح الوطنية في الدارسين، لذلك سنوضح محتويات مناهج كل من المرحلتين التي تراعي الجزأين التربية المهم والتعليم الذي يكمله.
ان المرحلة الاولى لبداية التربية والتعليم في الكويت كانت بطريقة منهجية تشمل كثيراً من المفاهيم الجدية التي تنمي في الدارسين روح الوطنية والانتماء لهذا البلد مع قلة الامكانيات في ذلك الوقت، فكانت المدارس في جميع مراحلها مدعمة بكثير من الامكانات التي يحتاجها الدارسون حيث كان يوجد في كل مدرسة مسرح وله نشاط ثقافي كبير في تنمية هوايات الطلبة في عمل المسرح الحر في التعبير عما يدور في المجتمع من مشاكل ومحاولة حلها بطريقة مسرحية جادة، وكذلك ايضا مسرح كوميدي جاد للتعبير عن الحالات السلبية في المجتمع لمحاولة ايجاد حلول لها امام المشاهدين. كذلك كانت هناك فرصة لاشتراك الدارسين في الهوايات المختلفة في فترة الاستراحة بين الدروس أو نهاية الدوام، إضافة إلى الفرق الخاصة الرياضية التي تنمي اجسام الشباب وهي فرق تلبس لباساً ابيض خاصاً وتنظم لها نهاية كل سنة مسابقات بين المدارس. هذا بالاضافة الى الفرق الرياضية المختلفة في جميع الالعاب وحماس الشباب في المباريات المختلفة بين المدارس، ما يشعل روح المنافسة بين المدارس التي تشبع روح الدارسين. كما كانت دروس الموسيقى دروساً جدية وتشبع روح وهواية الطلبة.
اما اجمل شيء فقدناه فكان نظام المرشدات والاشبال والكشافة في المراحل السابقة للتربية والتعليم، فكان لهم لباس خاص يميزهم ولهم رتب في المسؤولية كما هو النظام العسكري المصغر من حيث الطاعة وحفظ النظام والمحافظة على النظافة، لهم برنامج في التحية للعلم والنشيد الوطني والحفاظ على النظام العام للمدارس وكان هذا النموذج ومن دخل من الطلبة تعلم الكثير من الالتزام القانوني وتزكية الروح الوطنية فيهم والانتماء للوطن. كذلك وجود نواد صيفية في معظم مدارس الكويت لاشغال الطلبة في فترة العطلة في الصيف بهوايات وتدريبات رياضية حرة يستفيدون منها وتعمل على التواصل الاجتماعي الصحي بين الطلبة.
اما العلاقة بين المدرسين والطلبة فكانت علاقة مميزة وفيها جل الاحترام للمدرسين من الطلبة، ما يساعد على التلقي العلمي منهم بروح جادة. اما المناهج فكانت ذات شمولية في المعلومة وخفتها في الحمل وعمقها في تقبل المعلومة والاستفادة من محتواها. كل هذه المقدمة عن مراحل التربية والتعليم في السابق تجعلنا نتحسر على ما آل اليه نظام التربية والتعليم في وقتنا الحاضر والذي لا يعطينا مخرجات تنفع الطالب واحتياجات الدولة وتنمية الروح الوطنية والانتماء للوطن، فالمناهج ثقيلة الحمل ومستوى التعليم متدنٍ، وكثرة الدروس الخصوصية من نفس المدرسين الذي يعملون في نفس المدرسة بكلفة عالية والمحاباة في العلاقات الاجتماعية بالنجاح والرسوب، بالاضافة الى تجميد جميع مواضيع التربية المهمة مما اشرنا اليه في السابق من المسارح والفرق الخاصة والهوايات والرياضة البدنية والموسيقى بأنواعها، واهمها لم يعد هناك نظام للمرشدات والاشبال والكشافة يسهم في بث روح الانضباطية والوطنية في الطلبة ولم يعد هناك اهتمام بتحية العلم والنشيد الوطني من أجل اذكاء الروح الوطنية وفقدان العلاقة السليمة بين المدرس والطالب وفقدان الاحترام وهو ما أفسد عملية التعليم ووقف برنامج النوادي الصيفية في المدارس، وهذا أخل في ملء وقت الطلبة في الصيف وجعلهم بحالة ضياع في الصيف وعلى رأسها الغاء التدريب الالزامي للطلبة. لذلك فإن تدني مستوى التربية والتعليم في وقتنا الحالي يقع على من؟ ان مسؤولية الدولة ومجلس الامة جسيمة في عدم تصحيح الوضع الحالي الذي لا يقود المواطن الى التربية الصحيحة والتعليم الجيد الملتزم، وهذه الحالة اذا لم تتم معالجتها بجدية وبسرعة فإن عامل الزمن لا يرحم ولا يفيد يوم الندم. والله المستعان.

Previous Post
القرار الصعب
Next Post
أنواع الحكومات في إدارة التنمية الاقتصادية
15 49.0138 8.38624 1 1 4000 1 https://wijhatnathar.com/blog 300